سورة يوسف - تفسير تفسير المنتخب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يوسف)


        


{قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)}
78- ولم يكن بد من محاولة لتخليص أخيهم أو افتدائه، رجاء أن تصدق مواثيقهم ليعقوب، فاتجهوا إلى ترقيق قلب يوسف بحديث الأبوة في شيخوختها وقالوا له:- أيها العزيز- إن لأخينا أباً طاعناً في السن، فإن رحمته قبلت واحداً منا ليلقى الجزاء بدل ابنه هذا الذي تعلق به قلبه، وأملنا أن تقبل الرجاء، فقد جربنا عادتك الكريمة، وتأكد لنا انطباعكم عن حب الإحسان وعمل المعروف.
79- وما كان ليوسف أن ينقض تدبيرا وفَّقه الله إليه، ويفلت من يده أخاه، ولذلك لم يلنه استعطافهم، وردَّهم ردَّاً حاسماً، وقال لهم: إني ألجأ إلى الله منزهاً نفسى عن الظلم فأحتجز غير من عثرنا على ما لنا معه، إذ لو أخذنا سواه بعقوبته لكنا من المعتدين الذين يأخذون البرئ بذنب المسئ.
80- فلما انقطع منهم الأمل، ويئسوا من قبول الرجاء، اختلوا بأنفسهم يتشاورون في موقفهم من أبيهم، فلما انتهى الرأى إلى كبيرهم المدبر لشئونهم قال لهم: ما كان ينبغى أن تنسوا عهدكم الموثق بيمين الله لأبيكم أن تحافظوا على أخيكم حتى تردوه إليه، ولأنكم عاقدتموه من قبل على صيانة يوسف ثم ضيعتموه، ولذلك سأبقى بمصر لا أفارقها، إلا إذا فهم أبى الوضع على حقيقته، وسمح لى بالرجوع إليه، أو قضى الله لى بالرجوع الكريم، ويسره لى بسبب من الأسباب، وهو أعدل الحاكمين.


{ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82) قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83) وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)}
81- عودوا- أنتم- إلى أبيكم وقصوا له القصة، وقولوا له: إن يد ابنك امتدت إلى صواع الملك فسرقها وقد ضبطت في حقيبته، وعوقب على ذلك باسترقاقه، وما أخبرناك إلا بما عايناه، وما كنا مطلعين على المستور من قضاء الله حين طلبناه وأعطيناك على حفظه وردِّه إليك العهود والمواثيق وهو أعدل الحاكمين.
82- وإن كنت في شك مما بلغناك، فأرسل من يأتيك بشهادة أهل مصر واستشهد أنت بنفسك رفاقنا الذين عدنا معهم في القافلة، لتظهر لك براءتنا، ونؤكد لك أننا صادقون فيما نقول.
83- فرجع بقية الأبناء إلى يعقوب، وخبَّروه كما وصَّاهم أخوهم الكبير فَهَيَّج الخبر أحزانه، وضاعف منها فقد ابنه الثانى، ولم تطب نفسه ببراءتهم من التسبب في ضياعه وهو المفجوع بما صنعوا من قبل في يوسف، وصرح باتهامهم قائلا لهم: ما سلمت نيتكم في المحافظة على ابنى، ولكن زينت لكم نفوسكم أن تخلصتم منه مثلما تخلصتم من أخيه، فلولا فتواكم وحكمكم أن يؤخذ السارق رقيقاً عقوبة له على السرقة، ما أخذ العزيز ابنى، ولا تخلف أخوكم الكبير بمصر، ولا حيلة لى إلا أن أتجمل في مصيبتى بالعزاء الحميد، راجياً أن يرد الله على جميع أبنائى، فهو صاحب العلم المحيط بحالى وحالهم، وله الحكمة البالغة، فيما يصنع لى ويُدبِّر.
84- وضاق بما قالوا فأعرض عنهم خالياً بنفسه، مشغولا بأساه وأسفه على فَقْد يوسف، فذهب سواد عينيه من شدة الحزن، وقد كظم غيظه وألمه أشد الكظم.


{قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ (85) قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (86) يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (87) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88) قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89)}
85- وتوالت الأيام ويعقوب مسترسل في لوعته، وخشى أبناؤه سوء العاقبة، فاتجهوا إلى مراجعته وحمله على التخفيف من شدة حزنه، وقالوا له- وهم بين الإشفاق عليه والغيظ من دوام ذكره ليوسف-: لئن لم تخفف عن نفسك لتزيدن ذكرى يوسف آلامك وأوجاعك، إلى أن يذيبك الغم فتشرف على الموت، أو تصبح في عداد الميتين.
86- ولم يؤثر قولهم فيه، فردهم قائلاً: ما شكوت لكم، ولا طلبت منكم تخفيف لوعتى، وليس لى إلا اللَّه أضرع إليه وأشكو له همومى صعبها وسهلها، وما أستطيع كتمانه منها وما لا أستطيع، لأنى أدرك من حسن صنعه وسعة رحمته ما لا تدركون.
87- والثقة في اللَّه تحيى الأمل ولذلك لم يذهب الغم برجاء يعقوب في عودة ولديه إليه، وألقى في روعه أنهما من الأحياء، وأن موعد التقائه بهما قد حان، فأمر بنيه أن ينقبوا عنهما، قائلا لهم: يا بنى ارجعوا إلى مصر فانضموا إلى أخيكم الكبير، وابحثوا عن يوسف وأخيه وتطلَّبوا أخبارهما في رفق لا يشعر به الناس، ولا تقنطوا من أن يرحمنا اللَّه بردهما، لأنه لا يقنط من رحمة اللَّه غير الجاحدين.
88- واستجاب إخوة يوسف لطلب أبيهم، فذهبوا إلى مصر، وتحايلوا لمقابلة حاكمها الذي ظهر لهم من بعد أنه يوسف، فلما دخلوا عليه، قالوا:- يا أيها العزيز- مسَّنا نحن وعشيرتنا الجوع وما يتبعه من ضر الأجسام والنفوس، وجئنا إليك بأموال قليلة هي بضاعتنا وهى ترد لقلتها ورداءتها، وليست كفاء ما نرجوه منك، لأننا نرجو منك وفاء الكيل فأوفه لنا، واجعل الزائد عن حقنا صدقة علينا، إن اللَّه تعالى يثيب المتصدقين بأحسن الثواب.
89- أخذت يوسف الشفقة الأخوية الرحيمة التي تعفو عن الإساءة، وابتدأ يكشف أمره لهم قائلا في عتب، هل أدركتم قبح ما فعلتموه بيوسف من إلقائه في الجب، وبأخيه من أذى. مندفعين في ذلك بجهل أنساكم الرحمة والأخوة؟

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8